26 ديسمبر 2008

مفتشة المترو

مفتشة المترو

في عربة المترو التي اختفت ملامحها الحديثة.. والممتلئة عن اخرها بعدد كبير من الواقفين وبعض الجالسين..ورغم المراوح المجهدة فان حرارة الانفاس ورائحة العرق تكاد تخنق المكان حتي تفتح الابواب مع كل محطة لاعطاء فرصة للتنفس بعض الوقت..رجال ونساء واطفال ملامحهم لا تختلف من عربة لاخري ومن يوم لاخر..وجوه عابسة لكن لا تنسي روح الدعابة...صغير يقف للكبير احيانا ويخفي سروره للشكر والثناء..وبينما الجميع ينتظر محطته للتخلص من ملل ومشقة الرحلة انفتح باب العربة الاوتوماتيكي لثوان كالعادة في كل محطة حتي قذف المتسابقون للدخول والخروج من نفس الباب بفتاة سمراء بدت عليها مظاهر الارهاق المغلوب بارادة وعزيمة ..لم ينتبه اليها احد عندما انحشرت بين الواقفين..وبخجل من يعرف انه تحت الملاحظة ودون ان ترفع عيناها بدأت بالتفتيش عن التذاكر...صوت ليس ببعيد سمعه الجميع: "دول المفتشات الجدد اللي عينوهم..هو مبقاش فيه رجالة تتوظف"..وقف شاب طويل قوي البنية مرتديا بنطالا من الجينز وقميصا مفتوحا ونظارة شمسية يعرف البعض انها مقلدة..كلما سقطت تشميرة اكمامه حرك ساعديه الذين اهتزت معهما ساعة مرصعة بلون مدهب لتثبيتهما.."تذكرتك يا استاذ!"لم يكد يحرك شفتيه ومن خلف نظارته السوداء التي اخفت نظرة سخرية وبكلمات قليلة لم تشكلها شفتيه اللتين لم يتحركا قال:"ضاعت مني"..ووسط انتباه المدفوعين بفضول ازلي ولمراقبة الفتاة التي اصبحت مفتشا..ومدركة انها في معركة لابد ان تحسمها.. وبين لحظات الخوف وقوة الارادة وبين وجوه ساخرة مترقبة وايادي تتحرش بها او لزحام المكان حافظت الفتاة علي قدر من الثبات يفضحه بعض التوتر "يبقي حضرتك لازم تدفع غرامة".."ممكن اشوف بطاقتك"لم يكد ينتهي من طلبه حتي اخرجت بطاقتها الوظيفية في الحال من مكان ما في حقيبتها الصغيرة تعرفه جيدا.. وبعصبية تخففها عزيمة التصدي لنظرات المراقبين قالت:"اتفضل شوف"ممكن تتفضل حضرتك تدفع الغرامة".."بقولك نسيتها"..ازداد ثقة الفتاة وتوتر الشاب..في مقعد قريب جلس شيخ كبير اشتعل راسه شيبا مرتديا عمامه بيضاء وجلباب ابيض ممسكا بمسبحة لا تفارقه..تحدث الي من حوله قائلا "لا حول ولا قوة الا بالله..والله ما فسد حال الامة الا عندما خرجت هذه الفتاة من بيتها لتزاحم الرجال..الله عز وجل يقول "الرجال قوامون علي النساء"...التفت من وصلت اليهم كلمات الشيخ مومئين برؤسهم بالموافقة.. وتدخل رجلا اربعيني تاركا صحيفته ليتحدث منفعلا:" معاك حق يا مولانا..بكرة يقعدونا في بيوتنا"..وكلما اقترب القطار من المحطة التالية اذداد همس الحاضرين.. ومن بين الواقفين شقت الفتاة طريقا صعبا بصحبة الشاب المتذمر الذي خلع نظارته والذي فقد بعضا من لياقته المظهرية وبدا كثير الكلام "لو مش هتنزل معايا هاطلب العسكري او الظابط"..القطار يصل المحطة..والفتاة التي تخشي هروب صيدها الذي رفض تسليمها بطاقة هويته والتي نست التفتيش علي اكثر من نصف الحاضرين تناثرت نظراتها في كل الاتجاهات باحثة عن الشرطة..توقف القطار واندفع الشاب الذي فقد اناقته تماما محاولا الهرب لكنه ما لبس ان اصبح في قبضة الشرطة..تنهدت المفتشة وقالت "الآن كسبت المعركة".".

هناك 4 تعليقات:

دعاء مواجهات يقول...

كما عهدتك فى الإهتمام بالفاصيل
والدقة فى الرواية

والتلميحات والاشارات المعروفة المغزى

تحياتى لقلمك

ننتظر المزيد

فأنت قلم وبحق جدير بالمتابعه ..

هاني فؤاد يقول...

اشكرك يا دعاء وتمنياتي بمواصلة المتابعة

غير معرف يقول...

لا واللهي بجد انت بتهزر يعني الحمد لله
الشرطه مسكت المتهم والبنوته العسوله المرهقه يعيني من المترو ارتاحت وحست بطمئنينه طب كويس ابقي سلملي عليها بقي

سرد مش بطال انما قصه تعبانه

هاني فؤاد يقول...

شكرا لتعليقك اخي الفاضل ومن منطلق الاختلاف اري ان الهدف من القصة هو ابراز نظرة المجتمع السلبية احيانا للمرأة..شكرا لتعليقك وفي انتظار المزيد